أبْصَرَ صُرْصُورٌ في نومه ، فناناً قد لمح فَرَاشةً ، تُقَبِّلُ زهرةً من الأزهارِ ، فأخذ الفنانُ يدنو منها ، يرقُبُها ، يتأمُلُها ، يرسُمُه...
أبْصَرَ صُرْصُورٌ في نومه ، فناناً قد لمح فَرَاشةً ، تُقَبِّلُ زهرةً من الأزهارِ ، فأخذ الفنانُ يدنو منها ، يرقُبُها ، يتأمُلُها ، يرسُمُها ، يلتقطُ الصورةَ معها ، يا لَرِقةِ هذي الصورة !! ما أجملَها !! ما أروعَها !! قد زَانتْها تلك الحشرة .
فقال الصرصور لنفسه : ألستُ من الحشرات ؟! أَلَيْسَتْ لي أجنحةٌ تحمل جسدي للطيران ؟! أتَنَقّلُ بين الأغصان ، أشُمُّ أريجَ الأزهار ، أنعمُ بنور الشمس وضوء الفجرِ كفراش البستان.
فأعلن ثورته ضد العُرف وتقليدِ الآباء .. مَلَّ العيشةَ بين الأجداد .. بين عشيرته .. بين الأحفاد ، ما عاد يُطيقُ مَذاقَ العَذِرة ، طعمَ البول ، حتى رائحة المرحاض ، سَئِمَ النُّزهةَ بمجاري الصرف للسكان ، عَافَ فُتات الفضلة يُلقيه الإنسانُ ، أوضارَ القصعةِ ، أدرانَ الصَّحْفةِ ، أوساخَ الأطباق.
فأخذ يَسُبُّ دهاليز الظلمة ، أوكار العتمة ، شقوق الأركان ، فََََتَأهَّبَ يوماً ينتظرُ قدومَ الصبح ؛ كي يخلعَ ثوباً نَسَجَتْهُ كُنُفُ النَّجَسِ ووسخُ الإخراج.
فجاء الصبح بضوء الفجر ونور الشمسِ ، فَهَبَّ يطيرُ للبستان ، لكن عجزت أجنحةُ الصرصور عن التحليق.. حملتْه الأجنحة قليلاً ، وابتعد قليلاً عن مأواه ، ثم تخبَّط بالجُدران ، وأخذ يعاود تلك الكَرَّة ؛ لكن المَرَّة اصطدم بشخصٍ في الدار ، صَرخ انتفض الشخصُ كأنَّ الجِنَّةَ صرعتْهُ ، أخذ حذاءً في قدمه ، وباقي الأهل يُعاونهُ في الفتك بهذا المسكين.
أيقن أن الأقدام تطارده ، فوثب سريعاً في الحال من نافذة بالدار.. تطل على البستان. فاستقبل إشراق الشمس ، نقاء الجو ، لون الأزهار.
بدأ الصرصور يُتَمْتِمُ.. يهذي بالكلمات: خربت أجهزة الجسم ، أشعر أن نقاء الجو أصاب الصدر بمثل الدرن الرئوي ، يصيب الإنسان. وأن شعاع الشمس سبب ضعفاً في الإبصار ، بل حجب الرؤية ؛ حتى أني أسير كالعميان ؛ حتى أن أريج الزهر زكم الأنف ، أضاع الشم.
يبدو أن بيئة جدي ، صنعت مني شيئاً يحيا على الأوساخ. أويهلكه لذيذُ العيش ، عبيرُ المسك ، أريجُ الزهر على الأشجار ؛ حتى أن البيئة صاغت لونَ الثوب بلون الغائط ينفرُ منه بنو الإنسان.
التعليقات