زوجتي حواء لقد خضت معركة الرجال ، فما يشق لي غبار ،ونازلت كتائب الشجعان ، فكنت الفارس المغوار ، وكان النصر حليف من ملك أسباب القوة وأسلح...
زوجتي حواء
لقد خضت معركة الرجال ، فما يشق لي غبار ،ونازلت كتائب الشجعان ، فكنت الفارس المغوار ، وكان النصر حليف من ملك أسباب القوة وأسلحة الدمار ، فاستطاع أن يلبس خصمه ثوب المذلة والصغار .
حواء... أنت .. ماذا تملكين من تلك القوة ؟! ... لا شيء.
أنت لا تملكين إلا أسباب الضعف ومظاهر العجز .. فكيف تنتصرين في معركة بيني وبينك؟!
لا أدري .. كيف استحال الضعف بين يديك قوة عجيبة وتحول العجز لدك إلى قدرة غريبة.
يا لك من مخلوق تجلت فيه عظمة الخالق !!
بالله عليك كيف جمعت بين النقيضين ووفقت بين الضدين؟!
قفوتك في ضعفك وقدرتك في عجزك ، لا أدري كيف كان ذلك ؟!
أنزل إلى ساحة المرأة وميدان الأنوثة وأنا البطل الجسور فأقع أسيرا أرفع راية الهزيمة لكنها هزيمة تحاكي ملامح النصر عندي .
فكم من عدو نفذت إليه من ثغر قد غفل عنه فأوقعته في أسري ، فكيف نفذت إلي من ثغرك فوقعت في أسرك ؟! لكنه أسر قد ارتدى ثوب الحرية عندي.
وكم أرسل العدو إلي عينا له ؛ ليكشف عني سرا أو يهتك لي سترا أو يفضح لي أمرا فاغتالته يداي دون أن يأخذ مطلبه أو ينال مأربه ؛ لكنك أرسلت إلي شعاع عينيك ، فكشف سر الحب وهتك ستر الصب وفضح لواعج الشوق.
وما راعني يوما صوت السلاح ، فكيف بقلبي يضطرب لسلاح الصوت لديك؟!
حواء ... أرأيت البكاء ؟ يا له من ضعف مهين وعجز مشين عند الرجل لو كان .. ؛ لكنه عندك دمع في طهر ماء السماء ، وبريق اللؤلؤ , ينساب وجنتيك انسياب الندى على أوراق الورد.
فما أجملها من صورة في بستان الأنثى يهتز لها كيان الرجل !
حقا .. أنت لا تتمتعين بعضلات مفتولة ؛ لكن تملكين ضفائر مجدولة وذوائب مضفورة ويكانها قد جدلت لتكبحي بها جماح الرجولة وعنفوان الفحولة.
أرأيت الرقة؟! ضعف في الرجل قوة في المرأة ، ولولا رقة المدية لما مضت في الذبيح ، فيا لك من مدية مضت في الذبيح!!
لا تعجبي حواء أن كنت بين الناس أسدا جسورا وليثا هصورا ، وعندك فهدا وديعا أو هرا أليفا .. ليس ضعفا مني ؛ ولكنه سحر الأنوثة الذي قلما يخطئ ضحيته.
فيا لها من معركة بين الأنوثة والرجولة تجرعت فيها كأس الهزيمة منتشيا بالنصر.
حواء .. لا تظني أن صمتي لما بدا ، حديثي إليك قد انتهي .. كلا ، فحديث الرجل إلى أنثاه لا ينتهى وإن تخلله الصمت .
فدعيني.. دعيني أسترسل في حديثي إليك ، وأهمس في أذنيك .
حواء .. للسعادة أسباب ، أنت أوثق أسبابها . ألم تكن الدنيا متاعا فكنت خير متاعها؟! يقولون: إنك خلقت من ضلع أعوج حقا.. صدقوا؛ لكنه اعوجاج فيه استقامة الحياة،فلولا إنحناء الأضلع واعوجاجها لما كان لصدر حصن يحمي هذا القلب المسكين، وما كان ليسعد بنبض أو يهنئ بخفق، وللفظ أنفاس الحياة ولبس ثوب الفناء فواعجبا من اعوجاج به استقامة حياة هذا القلب الذبيح وذاك الفؤاد الجريح!
حواء.. حدثيني، أجيبيني.. ألست أنت التي سلبت من قيس عقله؟! ومن عنترة قلبه؟! ومن كثير لبه؟! ومن جميل فؤاده؟! ألست أنت التي جعلت مغيثا يجوب المدينة يزرف دمعه؟! ألست أنت ليلى، عبلة،عزة، بثينة،بريرة؟! فيالك من معني جميل تعددت ألفاظه ومن قدر لطيف تعددت أسبابه!
حواء،ماذا لو خلا عالم الرجال من بنات حواء؟! ماذا لو خلت سماء الرجولة من قمر الأنوثة المضيئ؟! ماذا لو خلا ثوب الرجل من ذلك الوشي الأنثوي البهيج؟! ماذا لو خلت الدنيا من أنثي؟! منك يا حواء؟!
لا أستطيع أن أتخيل أو أتصور ذلك العالم القاحل إذن لغابت النسمات الباردة من الصيف القائظ والنفحات الدافئة من الشتاء القارس
حواء، ما الذي جعلني أصبو أليك؟! ما الذي دلني عليك؟! ما الذي دعاني أليك؟!
حقا لا أعرف: صدقا لا أدري كل الذي أدريه أنني أسير لديك، صريع بين يديك متلهف عليك، منساق أليك كطفل ساقتك براءته إلي احتضانه وتقبيله ودعتك طفولته إلي التزامه وتدليله.
التعليقات